سورة الرعد - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{وَفِى الأرض قِطَعٌ متجاورات} بعضها طيبة وبعضها سبخة، وبعضها رخوة وبعضها صلبة، وبعضها تصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس. ولولا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه لم تكن كذلك، لاشتراك تلك القطع في الطبيعة الأرضية وما يلزمها ويعرض لها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية، من حيث أنها متضامة متشاركة في النسب والأوضاع. {وجنات مّنْ أعناب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} وبساتين فيها أنواع الأشجار والزروع، وتوحيد الزرع لأنه مصدر في أصله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص {وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} بالرفع عطفاً على {وجنات}. {صنوان} نخلات أصلها واحد. {وَغَيْرُ صنوان} متفرقات مختلفات الأصول. وقرأ حفص بالضم وهو لغة بني تميم ك {قنوان} في جمع قنو. {تُسْقَى بِمَاء واحد وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِى الأكل} في التمر شكلاً وقدراً ورائحة وطعماً، وذلك أيضاً مما يدل على الصانع الحكيم، فإن اختلافها مع اتحاد الأصول والأسباب لا يكون إلا بتخصيص قادر مختار. وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب {يسقى} بالتذكير على تأويل ما ذكر، وحمزة والكسائي يفضل بالياء ليطابق قوله: {يُدَبّرُ الأمر} {إِنَّ فِى ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم بالتفكر {وَإِن تَعْجَبْ} يا محمد من إنكارهم البعث. {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} حقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الإِعادة أيسر شيء عليه، والآيات المعدودة كما هي دالة على وجود المبدأ فهي دالة على إمكان الإِعادة من حيث إنها تدل على كمال علمه وقدرته وقبول المواد لأنواع تصرفاته. {أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} بدل من قولهم أو مفعول له، والعامل في إذا محذوف دل عليه: {أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ}. {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} لأنهم كفروا بقدرته على البعث. {وَأُوْلَئِكَ الأغلال فِى أعناقهم} مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم أو يغلون يوم القيامة. {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لا ينفكون عنها، وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفار.


{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} بالعقوبة قبل العافية، وذلك لأنهم استعجلوا ما هددوا به من عذاب الدنيا استهزاء. {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بها ولم يجوزوا حلول مثلها عليهم، والمثلة بفتح الثاء وضمها كالصَدُقَة والصُدْقَة، العقوبة لأنها مثل المعاقب عليه، ومنه المثال للقصاص وأمثلت الرجل من صاحبه إذا اقتصصته منه. وقرئ: {المثلات} بالتخفيف و{المثلات} بإتباع الفاء العين و{المثلات} بالتخفيف بعد الاتباع، و{المثلات} بفتح الثاء على أنها جمع مثلة كركبة وركبات. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} مع ظلمهم أنفسهم، ومحله النصب على الحال والعامل فيه المغفرة والتقييد به دليل على جواز العفو قبل التوبة، فإن التائب ليس على ظلمه، ومن منع ذلك خص الظلم بالصغائر المكفرة لمجتنب الكبائر، أو أول المغفرة بالستر والإِمهال. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب} للكفار أو لمن شاء، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا عفو الله وتجاوزه لما هنأ أحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد».


{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة عليه واقتراحاً لنحو ما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام. {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ} مرسل للإنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإِتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك. {وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ} نبي مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم يهديهم إلى الحق ويدعوهم إلى الصواب، أو قادر على هدايتهم وهو الله تعالى لكن لا يهدي إلا من يشاء هدايته بما ينزل عليك من الآيات. ثم أردف ذلك بما يدل على كمال علمه وقدرته وشمول قضائه وقدره، تنبيهاً على أنه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه وإنما لم ينزل لعلمه بأن اقتراحهم للعناد دون الاسترشاد، وأنه قادر على هدايتهم وإنما لم يهدهم لسبق قضائه بالكفر فقال: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} أي حملها أو ما تحمله على أي حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقبة. {وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ} وما تنقصه وما تزداده في الجنة والمدة والعدد، وأقصى مدة الحمل أربع سنين عندنا وخمس عند مالك وسنتان عند أبي حنيفة. روي أن الضحاك ولد لسنتين وهرم بن حيان لأربع سنين وأعلى عدده لا حد له. وقيل نهاية ما عرف به أربعة وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله عنه، وقال الشافعي رحمه الله أخبرني شيخ باليمن أن امرأته ولدت بطوناً في كل بطن خمسة. وقيل المراد نقصان دم الحيض وازدياده، وغاض جاء متعدياً ولازماً وكذا ازداد قال تعالى: {وازدادوا تِسْعًا} فإن جعلتهما لازمين تعين إما أن تكون مصدرية. وإسنادهما إلى الأرحام على المجاز فإنهما لله تعالى أو لما فيها. {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَئ خلقناه بِقَدَرٍ} فإنه تعالى خص كل حادث بوقت وحال معينين، وهيأ له أسباباً مسوفة إليه تقتضي ذلك. وقرأ ابن كثير {هَادٍ} {ووالٍ} و{وواق} {وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} بالتنوين في الوصل فإذا وقف وقف بالياء في هذه الأحرف الأربعة حيث وقعت لا غير، والباقون يصلون ويقفون بغير ياء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8